بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى في كتابه الكريم :
بسم الله الرحمن الرحيم ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ان الله كان عليا كبيرا ) صدق الله العظيم
نفهم من الاية الكريمه أن الشارع لم يشرع ضرب الزوجه الا في حالة النشوز , أي عندما تنشز الزوجة وتتعالى وتستكبر وتتجاوز حق الزوج ويتعذر اقناعها بالاقلاع عما هي عليه
ومن هذه الاية نفهم أيضا أنه لا يجوز ضرب الزوجه لمجرد الاختلاف بينهما في أي مورد اخر مهما كان هذا المورد , وضربها هنا يكون عدوانا وظلما عليها , بل لا يجوز ايذائها بالقول ولا زجرها ولا تبكيتها ولا اهانتها !
قال رسول الله ( ص ) : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي
قال رسول الله ( ص ) : قول الرجل للمرأة: أني أحبك، لا يذهب من قلبها أبدا
ولكن هناك من يثير هذا الاشكال : وكيف يأمر القران أو الإسلام أتباعه بضرب النساء ويقولون أليس في هذا تمييز ضد المرأة و احتقار لها ومخالفة للإنسانية ؟
نقول :
1- الزواج هو مشروع ترابط بين طرفين ( ذكر وأنثى ) وأن الذكورة والأنوثة لم تكن باختيار أحد منهما، لكنه واقع تكويني وبالفطرة يرتضيه كل طرف لنفسه وينسجم معه تمام الإنسجام وإن هذا الواقع التكويني والإنسجام يترشح منهما ميول فطرية حقيقية من قبل كل طرف نحو الآخر وإن الإسلام يعترف ويقر بحقيقة هذه الميول لكنه يتدخل في طرح نظام يضمن من خلاله تحقق غايات هذه الميول بنحو يحفظ لكل من الطرفين حقه الإنساني ، لذا لابد من الإبتداء بعقد يتم التوافق بين أطرافه على إقراره بكامل الرضى والإقناع والايجاب والقبول .
2- طرف الإيجاب وهو الإساس بين الطرفين هنا هو الإنسان الأنثى.
3- طرف القبول وهو الطرف الثاني في العقد وهو الإنسان الذكر
4- والصيغة المثلى لهذه المؤسسه التي وافق عليها الطرفين وأبرموا عقدهم عليها , هي عنصر ( المساكنه ) القائمه على ركيزتين ( الود والرحمه ) .
5- وبقدر ما أراد الاسلام أن لا يحيد الناس عن انسانية هذا الارتباط المقدس , أردا بالقدر نفسه لرحلة التعايش بين الذكر والأنثى أن يرافقها تشريعا وارشادا لا يحق لأي طرف منهم الاخلال به وذلك حفاظا على خيمة الحياة الزوجيه من السقوط
( والايه هنا تعالج صوره من صور أحد مصادر الخطر على الاستقرار الزوجي نتيجة نقض أحدهما للعهد والعقد المقدس الذي أبرمه مع شريكه وبرضاه التام , وذلك لدرء أحد مصادر الخطر على الاستقرار الزوجي )
والخطوات أو المراحل التي طرحتها الآية لمعالجة في هذه الصورة هي:
1- مرحلة الوعظ.
2- مرحلة الهجر في المضاجع.
3- مرحلة الضرب
وما يهمنا هنا هو الاضطرار الى اللجوء للحاله الثالثه ( مرحلة الضرب ) في حال فشل الأولى والثانيه ( الوعظ والهجر )
في هذه الحاله لابد من الرجوع الى قواميس اللغه العربيه في تحديد معنى الضرب المراد في الايه الكريمه , فنلاحظ أن كلمة الضرب وردت في القران الكريم بعدة معان فمثلا :
1 ـ قوله تعالى: ( وآخَرونَ يَضْرِبونَ في الأرض ) أي يسيرون، وقوله تعالى: ( وإذا ضَرَبتُم في الأرضِ فليسَ علَيكُم جُناحٌ أن تَقصُروا مِن الصَّلاة) فالضرب هنا معناه السير
.
2 ـ ومنه قوله تعالى: ( فلا تَضْرِبوا للهِ الأمثال ) أي لا تصفوا، وقوله سبحانه: ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبداً مَملوكاً ) . فالضرب هنا معناه الوصف.
3 ـ ومنه قوله تعالى: ( أَفَنَضْرِب عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً ) والضرب هنا معناه الصرف .
4 ـ ومنه قوله تعالى: ( أن اضْرِبْ بعَصاكَ الحَجَر ) أي ايقاع شيء على شيء
5 ـ ومنه قوله سبحانه: ( فَضَرَبْنا على آذانِهِم في الكهف ) والضرب هنا معناه المنع ,أي منعناهم من السمع
ومع الأسف الشديد فقد ذهب الكثير من الناس الى حمل الايه الكريمه على الأمر الرابع من الضرب ( ايقاع شيء على شيء ) وذلك باستخدام الضرب المبرح , سواء باليد العاريه أو بواسطة أداة مؤذيه لجسد المرأه
ولكننا أن أردنا أن نكون اسلاميون ومتبعون لأقوال المعصومين عليهم السلام , علينا أن نبحث في النصوص الاسلاميه الوارده في هذا الشأن ومطابقتها مع الاحتمالات الأخرى لمعنى ( واضربوهن )
أن المعصوم (ع) لما سئل عن جواز ضرب المرأة أجاب بما مفاده أن لا يتجاوز الضرب بالسواك وإشترطت الروايات عدم جواز ترك أي أثر على الجزء المضروب وإلا صار الرجل معرضاً للعقاب وأن عقاب الرجل هنا حق للمرأة على الحاكم تنفيذه.
والسواك : هو عود صغير لا يتجاوز طول الأصبع الواحد
وأكد المعصوم على أن الضرب يكون بالرفق واللين وعلى منطقه معينه في جسد المرأه وهي منطقة الورك لما في ذلك من حكمه بالغه
وهنا للعاقل أن ينظر ويرى كيف يكون تطبيق الضرب بهذه الشروط المرفقة بالتهديد بالعقاب للرجل .
وليرى هل هذا يجوز الضرب بالإيذاء الجسدي أم ماذا ؟
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، " أخبرني أخي جبرئيل ، ولم يزل يوصيني بالنساء حتى ظننت أن لا يحل لزوجها أن يقول لها : أف.
عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أنه قال : " فأي رجل لطم امرأته لطمة ، أمر الله عز وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم ، وأي رجل منكم وضع يده على شعر امرأة مسلمة ، سمر كفه بمسامير من نار
عن النبي (ص) أنه قال : إني أتعجب ممن يضرب إمرأته وهو بالضرب أولى منها
اذا فالضرب المبرح للزوجه في روايات المعصومين عليهم السلام تعتبر الرجل في أدنى مرتبه من الانسانيه , وتهدده الدنيوي وتعطي الحق للزوجه بمقاضاته وعلى الحاكم تنفيذ العقاب , وكذلك تهدد بمصير أسود يوم القيامه
اذا عرفنا هذا فعلينا أن نجد تفسيرا اخر على ضوء القران الكريم وأقوال المعصومين لعبارة ( واضربوهن )
ولكن هناك من ذهب الى غير هذا وقال : ولماذا لا يكون المقصود ( اضربوهن ) أي امنعوهن أو اصرفوا عنهن ؟؟ وهنا نستشهد بمثل واحد من الراويات
فقد جاء عن النبي (ص) : (لا تضربوا نساءكم بالخشب فإن فيه القصاص ، ولكن اضربوهن بالجوع والعري ، حتى تربحوا في الدنيا والآخرة)
فالعبارة الأولى :
( لا تضربوا نساءكم بالخشب فإن فيه القصاص ) فيها ملاحظتين :
الأولى : نهي عن الضرب بنحو إستعمال العنف .
والثانيه : التأكيد أن العنف الجسدي يستوجب القصاص أي العقاب للرجل
والعبارة الثانية :
(ولكن اضربوهن بالجوع والعري ) دليل واضح وصريح أن المراد بالضرب هنا هو المقاطعة وبالنحو الذي أوردناه ، وإلا كيف يكون الضرب بالجوع والعري ؟
ودون شك لا يقصد هنا المنع عن مطلق الطعام والثياب لأن ذلك وبالنحو الضروري هو من مستلزمات عقد الزوجية وهذا العقد ما زال سارياً لعدم حصول الطلاق ، وإنما المقصود هو المنع عن ما زاد عن الضروريات والكل يعلم أن الدول في عالمنا اليوم كثيرا ما تلجأ إلى عقوبة المقاطعة للآخرين حفظا لمصالحها أو عقابا لغيرها
أما العبارة الثالثة :
(حتى تربحوا في الدنيا والآخرة)
فواضح بعد النهي عن العنف الجسدي
والتوجيه إلى إستعمال الضرب بمعنى المقاطعة
أن ذلك يؤدي إلى فائدتين
الأولى : وهي المطلوبة
والثانية : وهي الخلاص من عواقب إستعمال العنف الجسدي أي القصاص في الدنيا والعقاب الفظيع في الآخرة .
والحمد لله رب العالمين